من رحِمِ الانكِسار

 


"ما ثمن إيجاد موطنٍ لكل ما فقدتُ؟ ربما أنا جزء صغير من شيءٍ أكبر منّي.. كصفحةٍ في كتاب، وذاك الكتاب بدوره جزء من مكتبة كبيرة، هناك جزء ما في قلبي -رغم احتضاره- دائمًا ما يبحث عن موطن، فأنا موقنٌ أنني أنتمي لمكان ما..

أعلم كذلك أنه بالرغم من كل ما رأيت ومررت به وشعرت به، مازال يوجد الكثير والكثير الذي لم أرَه في هذة الحياة الرائعة الموحِشة والجميلة"

-كلمات من أغنية "هذة الحياة الجميلة" لفرقة "كولوني هاوس"

 

مرّ الكثيرُ من الوقت دون أن أدوّنَ شيئًا، كنتُ منشغلةً في البحث عن معنى العديد من المصطلحات، وكنتُ أمرّ بمرحلة خمود وانطفاء، لزمتُ السرير كثيرًا، وشعرتُ بالثّقلِ في صدري مرارًا حتى في وسط الأيّام العاديّة، لكنّني قررتُ أن أفجّر هذة القوقعة، والطريقة الوحيدة الناجِحة التي أعرفُها هي أن أكتُب؛ لذلك ها أنا ذا أمزّقُ القوقعةَ معكُم..

برأيِكم هل يمكنُ إصلاحُ ما تمّ كسرُه؟ سؤالٌ مبتذل، لكنه أرّقني لفترةٍ لا بأس بها، ولا أقصد بذلك الأشياء الحسّية، فلو كُسِر طبقٌ يمكن بسهولةٍ شراء غيره، لكن ماذا عن الأشياء المعنويّة؟ كالثّقة والأمن والسّلام؟ ربما يكون سؤالًا مبتذلًا آخر، لكن لنكن صرحاء: محصلةُ الإبداع تتدنّى وهناك احتمالٌ كبير أن يكونَ شخص ما في حقبة ما قد كتب ما أكتبه أنا الآن لكن ولسبب ما لم يصلنا. ألم تفكّر أبدًا في احتمالية أن الأفكار كلها تتكرر وما يختلف من مبدعٍ لآخر هو طريقة العرض فقط؟

لنعُد لموضوعِنا.. أشياءٌ مثل الثّقة والأمن والسًلام النّفسي ليس من السهل كسرها، بل تتطلّب مجهودًا كبيرًا من العامل الخارجيّ -على الأقل إن لم تكن تعاني من مشاكلَ في الثقة-، كمثال، العلاقة القويّة بين الأبناء والأهل -أي مصدر الأمان الأول والأساسيّ- قد تتأثّر بشكل ما وتخلو من الأمان، نتحدثُ هنا عن رابطة دم من الدرجةِ الأولى، وليس صديق سوءٍ مثلًا لنخرجه من حياتِنا ببساطة، ما العمل في مثل هذا الموقف؟ أيمكنُ إصلاحَ المكسور؟

لا يوجد إجابةٌ صحيحة لهذا السؤال، فبالرغم من تشابه مشاعرنا والمواقف التي نمرّ بها إلّا أنّه ترجمة عقولنا لها تختلف، لكنّني أخيرًا وجدت ضالّتي! صراحةً استهلمتُ إجابتي للسؤال من قطّتي، فقد رزقني الله بقطةٍ حسّاسة بعض الشيء وكثيرًا ما تمرض، بالرغم من حرصي الشديد على صحتها ومتابعتها بشكل مستمر، إلّا أنها قد تمرض مثلًا لأنها استلقت على الأرض الباردة لمدة خمس دقائق غفلتُ فيهم عنها، فتكثر زياراتنا للطبيب البيطريّ -وبالمناسبة قطتي مصابة بفوبيا العيادة- وتصعُب السيطرة عليها لدرجة خوف الطبيب من أن تؤذيه في بعض الأحيان، برأيكم من يمسكُها حتى يتم الكشف؟ إذا كان الطبيب خائفًا، فلم يعد في الصورة غيري!

وهكذا يتم الكشف في كل مرة، أنا متأكّدة من ترجمة مخ "لونا" الصغير للموقف بأنه مؤذٍ، وأنا من بين جميع الناس من يمسكها! حتى نعودَ للمنزل وتبدأ في معاملتي وكأن شيئًا لم يحدث. في البداية كنت أتعجبُ كثيرًا، فحتى في المنزل أنا من يهتم بدوائها ويعطيها الحُقن إن لزمَ الأمر، لكن ولسببٍ ما "لونا" لا تتذكر الجانب المؤذي أبدًا!

قد يبدو الأمر مضحكًا، أنّني استلهمت إجابتي من كائنٍ لا يفقه، لكن هكذا أستلهم معظم إجاباتي، فما هي أكثر الأرواحِ نقاءً على وجه الأرض؟ بالظبط! الأطفال والحيوانات! وحتى هذة اللحظة تعلّمني قطتي الكثير. تذكّرت فجأةً قصةَ قابيل وهابيل حين تعلّم قابيل أن يواري سوءة أخيه من غراب! أرأيتم؟ منذ بدء الخلق وخبراتُنا متشابهة -أقصدُ هنا جزء التعلمَ من الحيوانات طبعًا وليس جزء القتل-!

وهكذا استنتجتُ أنّه يمكن للرّحمة أن تولَد من رحِم الانكسار، كيف ذلك؟ أؤمن أن العقل شراعٌ يمكننا توجيهُه في أي اتجاهٍ نرغب بشرطِ ألّا يكونَ متأثرًا بأيّ آفة دائمةً كانت أم مؤقتَة،  ففورَ إعمال عقولنا ومحاولتنا التفكير من وجهة نظر الشخص الآخر، نقدرُ على رؤية الموقف بزاوية مختلفة، عندها فقط نلتمس الأعذار، ونستطيع التعايش مع ما تمّ كسره، بل ونستطيع إصلاحه بنسبة تصل إلى 80%! وهذة نسبة ضخمة للغاية. فهناك جزء ما في قلوبنا -رغم احتضاره- ما زال يتمنّى إصلاح كلّ شيء.

مازال يوجد الكثير والكثير من الجمال الذي لم نرَه بعد يا أصحاب، لنتحلّى ببعض الشجاعة ونستمرّ في التقدم، وعلينا ألّا ننسى التخلصَ من الأثقال التي تعرقلنا، فالطريق طويلة!

وبالمناسبة، كل عام وأنتم بخير! :) 


Comments

Post a Comment