أحلُم أن أرَى العالَم

 

   مُذ كنتُ صغيرةً، كنت أحلم أن أرى العالم أجمع حين أكبُر، أردت أن أسافرَ فور سناحِ الفرصة، وأقفزَ من دولةٍ لأخرى كما لو كان الأمر بتلك السهولة، أردت أن أصبح ريشةً يأخذها الهواء في كل مكان.

   كبرت وأصبحت على بُعد خطواتٍ من سن العشرين، واكتشفت أن رؤية العالم أجمع ليست بهذا التعقيد، السفر رائع، لكنه ليس ضروريًا لتحقيق حلمي، فبفضل الشبكة العنكبوتية العتيدة، تعرفتُ على ثقافات أخرى في سنٍ مبكرة وأحببتُها، ولفترةٍ طويلة كنتُ أفكرُ "لماذا لا يختار كلٌ مِنّا الثقافة التي ينجذب لها حين يكبر وينتمي إليها بشكلٍ أو بآخر؟"، أرى الآن أنها كانت فكرة طفوليّة، فالثقافة التي ننتمي إليها محفورةٌ فينا، حتى وإن مرّ وقتٌ شعرنا فيه بعدم الانتماء.. لكن إن حدث واستمرّ ذاك الشعور، تحرك من مكانك، وازرع جذورك بنفسِك في مكانٍ آخر، إياك أن تظل حبيسًا لا تفعل شيئًا سوى ندب حظك.

   في أحيانٍ أخرى أفكر كيف عاش من مِثلي قبل عصر الإنترنت؟ كيف كانوا يروون عطشهم تجاه الثقافات الأخرى؟ كان ذلك أيضًا سؤالًا غبيًا، فالإجابة واضحة، بالطبع كانوا يقرأون الكتُب! والكتُب جنّةٌ في صورة صفحات.

   رؤية العالَم من خلال شاشتي الصغيرة تصيبُني بالإحباط أحيانًا، فالعالم مليء بالشرور: بشرٌ يقتلون بشرًا، حرائق ومجاعات، كما أن العالم مليءٌ بالفقر والجهل والعنصريّة، حتى وإن حاولتَ الهرب من كل تلك المشاكل بتجنبها، ستجدُك من حينٍ لآخر لتذكّرك أن العالَم ليس كاملًا، مثلنا تمامًا.. في تلك الأوقات الصعبة، أشعر بسعادةٍ عارِمة حين يقرر فيديو لحيوان لطيف الظهور أمامي بين مئات من الفيديوهات السلبيّة الأخرى، يبدو الأمر كأخذ نفسٍ طويل بعد انتهاء واحدة من نوبات الهلع.

   لكن السلبيّة لا تصدر طوال الوقت من الخارج فقط، يمكنها أن تبني عشًا داخل أرواحنا، وتطيل الإقامة كضيفٍ ثقيل غير مرحب به، فنُصاب -رغمًا عنّا- بالعمى الجزئيّ، لا نرى الإيجابيّ مهما حاولنا، ويحدث ذلك بغير ميعاد، ففجأة تسقط الريشة التي يحملها الهواء على الأرض وتصبح مغطاةً بالطين، لكن لنطمئن، فلن تُغطّى بالطين للأبد، فالشتاء دائمًا ما يليه ربيع.

   مازالت تلك الطفلة في داخلي، رغم تمكّني من رؤية العالم بالفعل دون سفر، لكنني سأظل أحلم أن أكون ريشةً، بداخلي قبل خارجي، أريد الحياة بروحٍ خفيفة، فلقد أتعبني ثقلها لسنين كثيرة حتى أردت التخلّص منها، أريدُ أن أكون ريشة!