مرت أسابيع عديدة بدت كسنوات، حالات القتل في تزايد، نفسية "هيلين" تسوء باستمرار وزيارات الطبيب النفسي لا تفيد كما كانت من قبل، حتى "جون" غير المبالي أصبح لا ينام الليل إلا قليلًا، والمحقق "هنري" في حالة يرثى لها..
هنري: بعد توزيع قواتنا في المنطقة
بأكملها، سنمسك به قريبًا، يجب ألّا نشعر بالإحباط.
هيلين: ذلك الشخص يمكن أن يكون
بيننا الآن، وإلا كيف يعرف جميع تلك المعلومات؟
جون: كيف ذلك؟ هل تشكين في شخص ما؟
هيلين: لا أشك في شخص بعينه، أنا
فقط خائفة، قلّما أنام هذة الأيام...
هنري: احتفظي بشكوكك لنفسك إن لم
تملكي دليلًا، هذة بيئة عمل!
عمّ الصمت على المكان، قلّما يفقد
"هنري" أعصابه، لكن مع قلة النوم وحالات الوفاة المتزايدة، من سيبقى
عقله سليمًا؟ أدركت "هيلين" خطأها، لكنها فضّلت عدم التحدث مرة أخرى حتى
لا يستشيط غضبًا.
قاموا بطلب بعض الطعام حتى
يستطيعوا المواصلة في التفكير، شرعت "هيلين" في تناول شطيرتها، بينما
ذهب الآخران إلى دورة المياة أولًا، لم تهتم كثيرًا وأكملت أكلها مع باقي ضباط
الشرطة المتواجدين في المركز.
بعد انتهاء يوم العمل، ذهب عدد من
الضباط -من ضمنهم هيلين وجون- إلى بيوتهم، واستلم آخرون مهمة الحراسة.
مقطوعة لحن غرامي صغير (Eine Kleine Nachtmusick) لموزارت تلعب بصوت عالٍ، تتمايل يد "هيلين" مع
الموسيقى بينما تعد شطيرة لحم، أخيرًا يمكنها الاسترخاء قليلًا بعد ثلاثة أسابيع
ملحمية..
تعبَت من القيام بدورين طوال تلك
المدة، أخيرًا بعض الوقت حيث تكون على سجيتها، قامت برفع صوت الموسيقى أكثر، لا
بأس، لن يسمع الجيران فالحائط عازل للأصوات، ضحكت ضحكة كتمتها طوال هذة المدة،
ضحكة شيطانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
أخذت تخطط لما ستفعله الليلة بينما
تنظر إلى القمر، ربما تكون الليلة الأخيرة التي ترى فيها ضوءه.. لا بأس فهي تعلم أنها
لا تريد شيئًا آخر من الحياة، لا يهم إن ماتت، ما يهم هو سير الخطة بمثالية، لا
يحتمل أي خطأ.
غسلت الصحون وقامت بترتيبها بعناية
شديدة في أماكنها، كل شيء مثالي.. كلّا تلك الوسادة مائلة قليلًا.. حسنًا الآن كل
شيء مرتب بعناية، ارتدت ملابس العمل وبالطبع لم تنسَ القفازات، أخذت كل ما تحتاج،
وفي تمام الساعة الثانية ليلًا، اتجهت لذاك البيت الذي لم تدخله قط.. ستكون الليلة
المرة الأولى.. والأخيرة.
دقات قلبها تتسارع ليس خوفًا بل
نشوةً، وصلت أخيرًا لوجهتها ودخلت من الشباك، قامت بتشغيل مقطوعة موزارت مرة أخرى،
هي تعلم أن الذي يقطن هذا البيت لن يستيقظ حتى وإن قامت بهدم البيت فوقه، صعدت
الدرج الذي يؤدي إلى غرفة النوم وهي تتمايل، وفي يدها.. يتمايل السكين.
فتحت باب الغرفة، هو قابعٌ هناك،
سمحت لشبح ابتسامة أن يشق طريقه إلى شفتيها، دخلت على أطراف قدميها، نظرت إلى وجه
النائم..
فكرَت وهي تلعب بالسكين على وجهه:
كم هو أخرق.. حتى هذة اللحظة أنا فقط أكرهه.. كرهته منذ اليوم الأول والآن..
أخيرًا سأفعل ما حلمت بفعله دومًا..
قربت السكين من رقبته.. فجأةً فتح
النائم عينيه..
جون: في الواقع كنت أنتظرك.
تجمدت "هيلين" في مكانها،
لم يكن هذا ضمن الخطة..
جون: في الواقع لقد قضيت عصر اليوم
في إقناع "هنري" أنكِ مشتبه به، لكنه أغبى من أن يصدق.
هيلين: لذلك تأخرتما على الغداء؟
جون: لماذا أنا؟
ابتسمت "هيلين"، قرّبت
السكين من رقبته أكثر، لم تتوقع أن يكون بهذا الدهاء، لكن هذا يجعل الموقف مسليًا
أكثر..
جون: لماذا اخترتني أنا الليلة؟ لم
نكن قريبين من بعضنا، لكن لماذا عليّ أن أموت؟
كان منظره مسليًا جدًا، لم تستطع
كبح ضحكتها أكثر، دوَّى صوتها في الغرفة..
هيلين: تظن حقًا أنك تستحق إجابةً
على هذة الأسئلة؟
جون: على الأقل أخبريني لماذا
قتلتِ العجوز، لم يؤذك أبدًا ودائمًا ما كنتِ تبتسمين له!
اختفت الابتسامة من على وجهها، تغيرت
ملامحها تمامًا، نظرت لجون بغضب شديد قائلة: قتلته خطأ
جون بسخرية: خطأ؟!
هيلين: اصمت، أنت لا تعرف أي شيء!!
جون: بلى أعرف أنك تذهبين للطبيب
النفسيّ كل أسبوع، هه تمشين أثناء نومك؟
غضبت هيلين أكثر، متى تم كشف سرها؟
لم تكن تعلم أن جون يقرأ مذكراتها خلسةً، بدأت المشي أثناء نومها في سنتها الثانية
في المركز، لم يكن الأمر جديًا في البداية، فقد بدأ بشربها للماء ثم عودتها للنوم،
بعدها تفاقم وأخذت تجوب الشوارع وهي نائمة، وما أن يراها أحد ويُكشَف سرها، تعود
إليه في اليوم التالي وتقتله بعد حقن نسبة كبيرة من المخدر في دمه وهو نائم، رآها
العجوز في الليلة التي مات فيها واعتنى بها لكنها قتلته غير واعية قبل حتى أن
تستفيق، لم يتم كشف سرها حتى الآن بسبب ارتدائها الدائم للقفازات..
حركت السكين نحو صدر
"جون" بكل غضب، وفي نفس اللحظة أخرج "جون" مسدسه بيد واحدة من
تحت الوسادة حيث يحتفظ به دائمًا ووجهه نحوها، ابتسمت "هيلين" للمرة
الأخيرة، وفي اللحظة التي غرست فيها السكين في صدره، أطلق النار على رأسها.
-تمّت-

Comments
Post a Comment