"لا شيء أقسى على النفس من رائحة الأحلام وهي
تتبخر"
-محمود درويش
هل وجدت
أخيرًا شغفك في الحياة؟ هل هو تخصص جامعيّ محدد أم مجرد هواية؟ أتساءل كم منّا وجد
شغفه مُمَثّلًا في حلم يريد تحقيقه ثم ما لبِثت الحياة أن خَطَت على ذاك الحُلم
محطمةً إيّاه... ربما لم تُوفّق في إيجاد شغفك بعد، لا بأس في ذلك، فإن عرفنا
جميعًا ما نريد فعله منذ البداية، لما وُجِد مصطلح تغيير التخصص.
أنهى طلاب
الثانوية العامة اختباراتهم قبل بضعة أيام، بينما بعض ممن سبقوهم لم يتعافوا بعد
من نتائجها: أحلام محطمة، مقارنة بين الابن وابن عمه الطبيب أو المهندس، وتساؤلات
مثل "هل اخترتُ حقًا التخصص المناسب؟".. ناهيك عن شعور البعض بالحزن لما
سببوه من خيبة أمل لآلِهم.
أصبح
المجتمع محمومًا بكليات القمة، فنسي الكثير من الآباء حق الأبناء في الشعور بحب
غير مشروط، هل قصّر الابن في مذاكرته؟ أم أنك تعلم حقّ العلم أنه فعل ما بوسعه؟
كمسئولية من الأب أو الأم، أليس جديرٌ بكَ أن تعلّمه درسًا جديدًا من دروس
الحياة؟... "للرّب خطةٌ أخرى، ستفهمها حين يحين الوقت، كلُّ صعبٍ
سينتهي"، والأهم من كل ذلك أن تعلّمه الرضا، وذلك بأن ترضى بما كتبه الله
قبله..
قبل شهرٍ،
كتبتُ موضوعًا بنفس العنوان، لكن شتّان بينهما.. كنتُ في حيرةٍ من أمري: هل سأشعر
يومًا ما بشغفٍ نحو التخصّص الذي اخترته؟ أم عليّ أن أنقذَ عمري قبل أن أفنيه فيما
لا أحب؟ لم أستطع أن أقرّرَ بنفسي، لذلك قمت باستشارة الكثير من الأصدقاء من دارسي التخصصيْن، وبالطبع كان للأهل وجهة نظر اعتمدت على المنطق بشكل كُلّي،
كنت أظن أنه من الصعب للشخص أنْ يفصل بين ما يحب فعله وما يدرسه، لكن منذ بداية
عهد كورونا وأنا أفعل ما أحب، صحيحٌ أن ما يعدُّ نقمةً يتحول إلى نعمةٍ أحيانًا..
لذلك قررتُ اغتِنام الفرصة، سأحاول مع هذا التخصص مرةً أخرى، وفي نفس الوقت سأخصص
جزءًا كافيًا من وقتي لدراسة ما أنا شغوفة به، نحن في عصر تحتله التكنولوجيا،
يمكنك تعلّم ما تريده ذاتيًا، تحتاج هاتفك وعقلك فقط.
حين أفكّر
في الموت، يخطر ببالي نوعان، الأول هو موتي الفعليّ جسدًا، والثاني هو ما أشعر به
عند فقدان الشغف، فجأةً أشعر بالنفور تجاه القراءة، وفجأةً لا أريد الاستمرار في
تعلم ما بدأت، وفجأةً لا شيء مما اعتدت فعله يدخل السرور على قلبي، أكره الشعور
بنفسي خاوية ولا أستطيع تحمل ذاك السجن، أبحث دائمًا عن وسيلة للهرب، أكره الملل،
وهكذا أجد هوايةً جديدة وأضمها للأخريات، أحاول تجديد شغفي بأي طريقة كانت.
أظن أن
مسألة الحياة يمكن حلها بنفس المعادلة، سلبت الحياة حلمي مني، من حقي الإنسانيّ أن
أحزن لساعة.. أو يوم.. أو عام.. تختلف المدة تبعًا لأهمية ما تم سلبه منك، لكن من
المؤكدّ أن الحياة لا تتوقف، يمكنك تجربة الكثير من المجالات المختلفة واحدًا تلو
الآخر حتى تشعر بتلك الشرارة مرة أخرى، حتى وإن لم تتخصص فيه أكاديميًا، يمكنك
تعلمه عن طريق واحدة من المنصّات الكثيرة، وإن كنت لا تحب تخصصك في الجامعة، تأكد
من إعطائه فرصة أخرى، ابذل كل جهدك قبل قرار تغييره (أوجّه هذا الكلام لنفسي كذلك).
ليست الحياة بسيطة فهي دار شقاء، لكنها كذلك ليست بالتعقيد الذي نتخيله، عندما
يُغلَق بابٌ يُفتَح غيره، حتى وإن أصابنا الحزن بالعمى لبعض الوقت، تأكد من أنّ
الغمامة ستزول حتمًا، ستكون قادرًا على رؤية جميع الأبواب المفتوحة والخبرات
الحياتية التي تنتظرك، حتى حدوث ذلك، تأكد من أن تعيش بمشاعرك الحقيقية، ابكِ إن
أردت البكاء، اضحك عندما تريد الضحك، وآمن في قرارة نفسك أن كلًا من الحيرة والحزن
سينتهيان.
تأكد من التقاط أنفاسك جيدًا قبل البدء في مغامرتك القادمة!

Comments
Post a Comment